الاثنين، 8 مارس 2010

أصل الأتراك العثمانيين (العثمانيين أتراك، وليس كل الأتراك عثمانيين)

تعد القبائل التركية من أكثر الشعوب إمتداداُ على مستوى قارة آسيا فهم ممتدون من سيبريا وتركستان الشرقية المحتلة شرقاُ حتى الأناضول وبعض أجزاء أوربا غرباُ، لذا يقسم الباحثين، الأتراك عند دراستهم إلى قسمين :
*القسم : الأول : أتراك الشرق، وهم ترك سيبريا ووسط آسيا وبعض أجزاء من القوقاز والبلقان .
والثانى : ترك الغرب وهم أتراك الأناضول حتى أدرنة بأوربا الشرقية .
وعند الحديث عن إسلام الأتراك علينا أن نعلم أن بداية عهدهم بالإسلام ترجع إلى عهد الخليفة الراشد الثانى عمر بن الخطاب (13-23)هـ، إلا أن تدفقهم فى الدخول فى دين الله أفراجاُ يبدأ مع العصر الأموى (41-132)هـ .
ومن أشهر العلماء الأتراك الأوزبك الذين مازال مجهودهم العلمى مستمراُ أثره حتى الآن الإمام البخارى صاحب "صحيح البخارى" الجامع لأحاديث الرسول "صلى الله عليه وسلم" وهو من مدينة بخارى فى أزوبكستان الآن، والإمام مسلم صاحب "صحيح مسلم" وهو من سمرقند عاصمة أزوبكستان الحالية .
وفى العصر العباسى علينا أن نفرق بين مصطلحين هامين هما ( التركمان، والأتراك)، فالأول يعنى الترك الذين أعتنقوا الإسلام، فقد تلقبوا بالتركمان للتفرقة بينهم وبين الترك الوثنيين، فلما تحولت سائر الشعوب التركية للإسلام حافظ التركمان على نفس الاسم للدلالة على أسبقيتهم عن سائر القبائل التركية الأخرى فى الدخول إلى الإسلام 1.
أما مصطلح الترك : فهم القبائل التركية التى ظلت على الوثنية ولم تتحول إلى الإسلام مباشرة إلا على مراحل عدة، وكان ذلك زمن العصر العباسى الأول أما فى العصر العباسى الثانى فلم تأتى نهايته على يد المغول حتى صار أغلب الترك مسلمين2 .
وترجع أم القبائل التركية إلى الأتراك الأويغور إلا أن الأويغور كانت لهم أجسام قصيرة، وعيون ضيقة، عكس ترك الأناضول، وذلك لإختلاطهم بالعناصرالأخرى فى بطن الأناضول، وإحتكاكهم بالأجناس الأوربية ولزواجهم منهم ، ولعل أفضل دراسة قدمت عن أصول الأتراك هى ما قام بها الأمير شكيب أرسلان1 فى مقدمة كتابه "الدولة العثمانية" والذى سننقل منها بعض المقتطفات بتصرف لتوضيح هذه الأصول :
"إن الترك هم أكبر وأشهر الأمم الآسيوية، وإنهم معدودون من الشعوب الطورانية، وهم متشابهون فى الخلقة مع الصين والتبت واليابان، ولا عبرة بما تجده من سحناء أتراك الآستانة فى الآناضول، فإن هؤلاء قد توالدوا وتناسلوا فى غربى آسيا من قرون متطاولة، وأختلطوا بالأمم الأخرى كالقوقازيين والمكدونيين والأرناؤوط والروم والبلغار والأكراد والصرب، وبقايا أهل الأناضول القدماء، وتوالدوا منهم أمة لا تشبه المغول ولا الصين، ولكن الترك الأناضوليين الذين لم يختلطوا بهذه الأمم الغربية يشبهون أتراك بخارى، وخيوة، وكاشغر، وهم ذو ملامح ظاهرة الشبه مع أهل الصين والتبت والمغول ".
كان الترك منذ الخليقة مبدأهم فى جبل الذهب بين سيبريا والصين، ثم أخذوا ينتشرون فى الأقطار، فهاجروا إلى شمالى سيحون وجيحون، وإلى الشمال الشرقى من بحر خارزم، وهؤلاء هم الذين يقال لهم :
الأوراليون ، والمجر والفنلانديون أهل فنلاندة على البلطيق والبلغار فى الغرب وإلى الشمال الغربى من الصين، والخطا، وقسمهم فى الشرق ويقال لهم (المانشو والتونغوز)، وقسمهم فى الجنوب الشرقى وهم المغول .
وكان لهم مناسبات ومحاربات مع الفرس، وقيل إن هيردوت أبا المؤرخين اليونان أشار إليهم تحت اسم "تاركيتاوس" .
وقيل إن أول بانى دولة لهم هو أوغزخان بن قره خان وكان له ستة أولاد هم (كون خان، وآى خان، ويلديزخان، وكول خان، وطاغ خان، ودكز خان " .
فمن هؤلاء ثلاثة سكنوا الشرق وثلاثة سكنوا الغرب، وكان لكل منهم أربعة أولاد، فصار لأوغز خان 24 حفيداُ، وهم رؤساء القبائل التركية، وهكذا قال نسابوهم.
وفى عام 85هـ/704م غزا قتيبة بن مسلم الباهلى بالمسلمين العرب بلاد الترك، وإفتتح بخارى ومرو وخارزم وسمرقند وغيرها من المدن والبلاد، ومع مرور الزمان بدأ الإسلام ينتشر بينهم، وبدأ التركمان المسلمين يقاتلون الترك الوثنيين حتى فتحوا الكثير من البلاد وبدأ الدعاة المسلمين ينتشرون بينهم فى الأماكن التى لم يصلها فتح حتى تحولت بلادهم كلها لبقاع إسلامية، وظهر أمرهم فى العصر العباسى، ودورهم فى إحياء السنة وقتال الصليبيين والروم زمن السلاجقة والزنكيين وأبناء عمومتهم من الأكراد الأيوبيين، ومع سلاجقة الروملى والعثمانيين تحول الأناضول إلى وطن إسلامى خالص، وظهرت اللغة التركية العثمانية ذات الحرف العربى، والتى كتب بها الشعروالأدب .
وعلماء الألسن يجعلون اللسان التركى خمسة أقسام :
الأول : الإويغورى أو الجغطاى .
الثانى : التترى .
الثالث : القرغيزى .
الرابع : الياقوتى .
الخامس : العثمانى .
وليس للقرغيزى والياقوتى أدبيات فى ألسنتهم، والقرقيز مسلمون، ولكن الياقوت لايزالون وثنيين [حتى عهد الأمير شكيب عند وضعه هذا الكتاب] ،وقيل إن الياقوتى هو أصل اللسان التركى، والباقى أفرع عنه .
ويقول المدققون : ( إن اللسان التركى يشبه فى الدرجة الأولى لسان التونغوز والمانشور من الألسنة الطورانية، وفى الدرجة الثانية لسان المغول، وفى الدرجة الثالثة لسان المجر الفلانديين).
وأما فرقة القوميين الأتراك من حزب الإتحاد والترقى التى أستبدت بأمر الخلافة العثمانية فإن ما ذهبوا إليه من جعل أصل الترك هم الحيثيين فى الأناضول وغربى آسيا، وأن هذه البلدان هى لهم منذ أربعة آلاف سنة، وهم فى هذا الكشف التاريخى الجديد يستندون إلى تخمينات بعض مؤرخى أوربا المحدثين من أصحاب النظريات الوضعية الجديدة فى علم الآثار، لكن شيئاُ من هذا لم يثبت، وأكثر مؤرخى أوربا مجمعين على أن أصل الحيثيين من جهة الدم لم يثبت بعد .
ولا يعلم أحد ما فائدة أتراك أنقرة من تعليم آراء تاريخية جديدة واهية لا تستند على قواعد متينة ؟! وهل إذا كان ترك الأناضول آتين من فرغانة وسمرقند وكاشغر من ألف سنة فقط يسقط حقهم بالأناضول ؟! وأنه لابد من أن يثبتوا أن هذه البلاد بلادهم منذ آلاف السنين حتى يستحقوها؟! كل هذا من جملة الغرائب التى ولدت مع الإنقلاب الأنقراوى 1.
إن الناظر فى واقع حركة الإتحاد والترقى ليرى أن كثيراُ منهم كانوا من يهود الدونمة الذين يظهرون الإسلام ويبطنون اليهودية لكى يستطيعوا إختراق أجهزة الدولة العثمانية، لذا قاموا بتمهيد نفسى عبر وسائل التعليم فى رؤوس التلاميذ فى المدارس والكليات والجامعات والصحف زعموا فيها آراء تاريخية جديدة وكان ذلك لغرضين :
الأول : تحقيق هدف فصل أتراك الأناضول عن جذورهم التاريخية فى آسيا، وقطع علاقاتهم مع العالم الإسلامى، وتوجيه محراب العلم عندهم إلى الغرب .
الثانى : إحياء الحضارات القديمة السابقة على الإسلام بالأناضول ليس بغرض التتبع التاريخى للحضارة الإنسانية أو بغرض العبرة والعظة، ولكن لأغراض سياسية، وهى جعل علم الآثار هو الذى يثبت أحقية شعب ما فى أرض ما، أما صلات الدم والمصاهرة وتتابع تاريخ الهجرات البشرية والتآلف بين الشعوب والفتوح الإسلامية فإنهم يردون إلغائها، وبذلك يحق لكل من يلحن فى حجته أن يصرف أثراُ عن معناه الحقيقى لوصوله إليه قبل الآخرين، وأن يدعى أن له الحق فى بلد فلان، وهذا ما قام به الصرب فلا بلاد الصنجق والبوسنة وكوسوفا وبرشوه حديثاُ بالبلقان ، وما قام به الصهاينة فى فلسطين المحتلة حالياُ .
إن الغرض الحقيقى ليس نسبة الأتراك إلى الحيثيين فى الأناضول، ولكن الغرض الحقيقى فى تلك الفترة هو التمهيد فى اللاوعى لدى النشئ لأتراك الأناضول بأن ولائهم ليس للحضارة الإسلامية ولا للشرق العربى والمسلم، ولكن ولائهم الحقيقى لأوربا، وذلك بسبب موقع هضبة الأناضول المتميز بين آسيا وأوربا، وبذلك إذا حان وقت إسقاطهم للدولة العثمانية تكون قد تغيرت الأفكار التى كانت تنادى بنصرتها، فإذا حان وقت الإنهيار أجهز عليها بلا رحمة، وأما المعترضين من أصحاب الأفكار القديمة والمنادين بالوحدة الإسلامية العامة للمسلمين فى إطار الخلافة، فإن النشئ الجديد ومن خلفهم اليهود والغرب سيتولون القضاء عليهم، وهذا ما حدث على يد محاكم الإستقلال فى تركيا والتى أنشئها مصطفى كمال أتاتورك على غرار محاكم التفتيش الأسبانية فى الأندلس والتى عنى بها الإستقلال عن الإسلام والقضاء على كل مؤيد للدولة العثمانية أو منادى بأى مظهر من مظاهر الدين الإسلامى .
ومن المعلوم تاريخياُ : أن [العثمانيين أتراك، وليس كل الأتراك عثمانيين] ، ومن هذا المدخل بدأنا بالحديث عن أصول أتراك الدولة العثمانية التى نسبت إلى عثمان بن أرطغرل مؤسس هذه الدولة والمعروف بعثمان الأول وهى تعد ثانى دولة إسلامية مستقلة تنهض فى بطن الأناضول دولة سلاجقة الروملى، وذلك لكون شرق الأناضول فتح منذ آواخر عهد الخليفة الراشد الثانى عمر بن الخطاب (13-23)هـ وأوائل عهد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان (23-35)هـ بإعتباره إمتداد لأرض الجزيرة الفراتية لمنابع نهر الفرات شمال العراق .
والعثمانيون هم أحد قبائل الترك التى كانت تسكن فى بلاد وسط آسيا هذه المنطقة التى تضم عدداُ من الدول التى تعرف الآن بدول الكومنولث الروسى بعد إحتلال روسيا القيصرية لهذه المناطق الإسلامية، ولهم دور بارز فى العالم الإسلامى ففى أثناء الصراع الحربى بين الدولة السلجوقية والبيزنطيين أتت إلى الأناضول قبائل أويغورية مهاجرة من تركستان الشرقية وجنوب سيبريا هرباُ من ضغط المغول عليهم فى عهد السلطان السلجوقى علاء الدين بن كيقباد أتت قبيلة أرطغرل بن سليمان التركمانية، وكانت تتكون من أربعمائة أسرة فلما شاهدت القتال بين السلطان علاء الدين السلجوقى والبيزنطيين إندفعوا للإنضمام إلى السلاجقة فهزم على أثر ذلك البيزنطيين فجعل السلطان علاء الدين قبيلة أرطغرل تسكن على الثغور الفاصلة بين الدولة السلجوقية والبيزنطيين بالأناضول فيما يعرف بمهد الأتراك العثمانيين الأول أو إمارة الغزاة أو إمارة الثغور وفى عام 656هـ/1258م ولد عثمان بن أرطغرل فى نفس عام إسقاط التتار لبغداد عاصمة الخلافة العباسية ليدل ذلك على إستمرار شرايين الحياة فى الأمة الإسلامية ثم دخل أبوه أورخان فى خدمة السلطان علاء الدين السلجوقى فلما توفى أورخان تولى إمارة الغزاة الأمير عثمان بن أرطغرل والذى أعلن بداية عهد السلطنة العثمانية بعد وفاة السلطان السلجوقى علاء الدين وتمزق وحدة الدولة السلجوقية فى الأناضول بموته، وكان ذلك عام 699هـ/1299م ، وبدأ يسير السلطان عثمان ترك فى خطين متوازيين توحيد الناضول من جديد فى دولة إسلامية واحدة ، وجهاد البيزنطيين ، وأتخذ عثمان ترك آسكى شهر ( وهى تعنى المدينة القديمة) عاصمة أولى لدولته فلما فتحى بروسة أو بورصة وأخذها من يد البيزنطيين جعلها عاصمة دولته وهى تقع فى جنوب شرق القسطنطينية ليكون قريباُ منها تمهيدا ُ لفتحها، وكانت عاصمة الدولة العثمانية تتغير حسب إمتداد أو إنحصار مساحة الدولة العثمانية، فلما إنتقلت الدولة العثمانية إلى الجانب الأوربى وبدأت فتوحاتها فى البلقان أصبحت عاصمتها أدرنة فى الجانب الغربى للقسطنطنية وبذلك وقعت المدينة الرومانية بين فكى الرحى وبدأت تسطر خاتمة الدولة البيزنطية ونهاية العصور الوسطى الأوربية، وبعد فتح القسطنطينية على يد السلطان محمد الثانى الذى تلقب بعدها بالسلطان محمد الفاتح أصبحت عاصمة الدولة العثمانية هى القسطنطينية1 والتى تغير اسمها فيما بعد إلى إسلامبول أى دار الإسلام وذلك فى عام 857هـ/1453م .
وبعد إسقاط الدولة العثمانية شرط الإنجليز لكى ينسحبوا من تركيا على يد مصطفى كمال أتاتورك أن ينقل العاصمة لأنقرة بدلاُ من إسلامبول وأن يغير اسمها إلى استانبول والتى تعنى دار المكان، ولتشابه نغمة هذا الاسم مع اسم اسلامبول الذى يعنى دار الإسلام، وكان ذلك فى عام 1343هـ/1924م ومازالت أنقرة هى عاصمة الجمهورية التركية فى بطن الأناضول للآن .

هناك تعليق واحد:

  1. ساعدوني ببعض الكتب التي تتكلم عن الجانب العسكري للدولة العثمانة وتكون اقدم المصادر اذا امن ولكم مني قائق الاحترام و التقدير

    ردحذف