الثلاثاء، 9 مارس 2010

العثمانيون فى ميزان الحضارة

اتهمت الدولة العثمانية بأنها سبب تأخر وركود العالم العربى والإسلامى، وأن الأتراك العثمانيين لم يكن لهم أى دور فى الحضارة الإنسانية عامة والإسلامية خاصة، ولقد إستمرت هذه النظرة القاتمة خلال فترة الإحتلال الأجنبى للبلدان العربية، وخلال الفترات اللاحقة له .
فنجد مثلا أن الدكتور عبد الرحمن زكى يصف الفترة العثمانية بالظلمة العثمانية، التى حلت بمصر والعالم العربى، متأثرة بالمدرسة الإستشراقية الإنجليزية، فى كتابه "تاريخ القاهرة وآثارها من عام 969م-1825م على الرغب من أنه يناقض نفسه فى هذا الكتاب حيث يشير إلى المدارس والأسبلة والعديد من الكتاتيب والحمامات والقصور والمتنزهات والقناطر التى أنشأها العثمانيون، ويشير كذلك إلى بدائع صنعهم .
كذلك الكثير من المتأثرين بحركة التتريك التى قام بها الإتحاديون فى أواخر عهد الدولة العثمانية خاصة فى الشام والعراق، متناسين فى ذلك كون هؤلاء الإتحاديين من يهود الدونمة، وأنهم من كانوا يتولون زمام الأمور فى الدولة العثمانية منذ خلع السلطان عبد الحميد الثانى عام 1909م، خاصة أن عصر هذا السلطان عصر محاولة تعريب الدولة العثمانية لولا وقوف الإتحاديين أمامه خاصة شاعر الإتحاديين كامل نامق .
ولن ينس التاريخ أن العثمانيين لم يفرضوا لغتهم على أمة من الأمم، بل تركوا حرية التعبير بلغة كل شعب مع جعل لغة المراسلات السياسية، والأحكام الإقتصادية وغيرها من دوائر الدولة الرسمية باللغة التركية العثمانية، أما اللغة العربية فهى لغة الدين والقضاء والمعاملات اليومية، بل ولغة الكثير من العلوم وما كتبه الجبرتى فى التاريخ والكيمياء باللغة العربية منا ببعيد .
ثم لندع الآثار العثمانية لتتحدث عن مدى رقى وحضارة هذه الدولة فمن الذى إخترع "المسدس والبندقية " وهو سؤال عند إجابته سيتبادر إلى الذهن صموائيل ماكت، حيث أشارت الوثائق والرسومات وما تحتفظ به المتاحف العالمية والتركية، من بنادق خفيفة ومتوسطة وبنادق حصار ومسدسات لتدل على أن العثمانيين قد أخترعوها قبل الأمريكان بكثير .
ويعرف المسدس فى اللغة العربية باسم "بالغدارة" أما ماكت فقد إخترع المسدس القلاب، ولم يخترع المسدس بل إن إختراعه عبارة عن مرحلة من مراحل تطوير المسدس العثمانى .
وعلى الصعيد الجغرافى فإن أقد خرائط لأمريكا الشمالية والجنوبية وقارة إنتركتيكا الجنوبية المتجمدة والتى قد رسمها قائد البحر العثمانى الرايس بيرى وهى تعد أقدم خرائط لقارتى أمريكا الشمالية والجنوبية، وفيها نجده قد حدد عليها أسماء المرافأ والحيوانات التى تعيش بها مثل الجاموس البرى الذى قضى عليه الأمريكيون، وقد خطط هذه الدراسة فى ستة مجلدات محفوظة بمتحف "طوبقابو سراى" فى إستانبول .
أما عن قارة انتركتيكا فهذه القارة يؤكد إكتشافها فى عام 975هـ/ 1569م وهذه القارة إكتشافها الأوربيون فى عام 1952م بالأقمار الصناعية، ومن الغريب أن خرائط الرايس بيرى يطابق ما صورته الأقمار الصناعية، مما يستدعى الباحثين فى الدراسة فى هذا الموضوع .
وعلى الناحية التاريخية والعمرانية فإن العثمانيين قاموا بنسخ كافة العلوم الإسلامية فى مختلف العصور إلى لغتين التركية والعربية وليس أدل على ذلك، من كتاب السيرة النبوية لابن هشام، والذى ترجمه إلى التركية العثمانية آلتى برمق والذى مازال مسجده قائما بالقاهرة العثمانية للآن، بالإضافة إلى رحلة أوليا جلبى الذى وصف شوارع وبيمارستانات القاهرة وكذلك كتاب الرغبة فى طلب الحسبة لعبدالرحمن الشيرزى محتسب تبريز فى عصر الدولة الإيلخانية والذى نسخ إلى العربية فى عهد الدولة العثمانية، وكتاب الرتبة فى طلب الحسبة لعبدالرحمن الشيرازى فى عهد الدولة التيمورية والذى نسخ إلى العربية وغيرها من كتب الطب والعمران .
أما المؤلفات التى ترجع إلى علماء الدولة العثمانية فمنها كتاب " موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين " لشيخ الإسلام مصطفى صبرى آخر مفتى للدولة العثمانية والذى وضع فيه القواعد المنهجية لدراسة الأفكار المتباينة بين شعوب العالم الإسلامى فى تلك المرحلة حتى عصرنا الحاضر .
ولا ننسى أن الدولة العثمانية كانت ثالث دولة على مستوى العالم فى إدخال أسلاك البرق، كذلك كانت رابع دولة على مستوى العالم فى إنشاء السكك الحديدية، وما قطار سكة حديد الحجاز الذى كان يربط من إسلامبول حتى المدينة المنورة مرورا ببغداد ودمشق والقدس ويافا حتى بئر سبع والفرما (بورسعيد بمصر حالياً)، وشمال الحجاز حتى المدينة المنورة، للدلالة على تسابق الدولة العثمانية الحضارى مع الدول الأوربية .
ويذكر السلطان عبد الحميد الثانى فى مذكراته "أنه لما اشتد خطر التجارب الأوربية فى إنشاء مناطيد وطائرات حربية ولا تستطيع الدولة العثمانية أن تملك ذلك، فكرت فى أن أغلبهم فى البحر وأن أنشئ الغواصات البحرية، وبدأت التجارب وعندما ذهبت لأفتتح هذا المشروع خلعونى عن عرش الخلافة، وأرسل الإنجليز والألمان أعوانهم فأخذوا الأبحاث العلمية والأوراق والغواصة، وقتلوا مهندسى الدولة كى لا ينتشر الخبر، خاصة أننى كنت أقيم تلك التجارب فى السر خوفاُ من الأوربيين إلا أنهم علموا ".
وعلى المسار الفنى لم يهمل العثمانيين فنون التصوير مع مراعاة أحكام الشرع فى عدم التجسيم، والبعد الثالث، كذلك أهتموا فى أواخر عهدهم بالسينما الصامته التى تصور الحياة اليومية والمجتمع فى الدولة العثمانية .
كما أن سياسية الأنفاق العسكرية فى الحروب، وأول عملية إنزال فى التاريخ الحربى فى العالم حدثت على يد السلطان محمد الفاتح عند فتحه لمدينة القسطنطينية 857هـ/1453م .
وعند ظهور علم الآثار انتبهت الدولة العثمانية لخطورة هذا العلم وكيفية توظيف أوربا له فى إحياء النعرات القديمة لتفتيت الدولة العثمانية، فبدأ السلطان عبد الحميد الثانى يرسل العيون لمتابعة حفائر الإنجليز والألمان فى العراق وخاصة أنه تبين من خلال سجلات المخابرات العثمانية أنهم كانوا يبحثون عن البترول فى العراق و كان ذلك فى عام 1907م ، حينها قام السلطان عبد الحميد بطرد الإنجليز والألمان وأرسل بعثة للبحث عن البترول فى العراق وبدأ يعد لحملة لإنشاء مصانع لتكرير البترول فى العراق لولا أن هذه المشروعات قد توقفت لخلعه عام 1909م.
ولا ننسى فضل العالم الألبانى الكوسوفى حسان سابستيور الذى أخترع أول طائرة طارت فى إسلامبول بدون محرك فى عهد السلطان عبد الحميد الثانى والبندقية ذات الروحين والذى قبض عليه سفير البلغار فى صوفيا أثناء عودته لكوسوفا مع السفير الروسى وأخذوا المخططات والإختراعات والسلاح الروسى فى تلك المرحلة كله من فكرة وتصميم هذا العالم المسلم العثمانى.
مما دفع السلطان عبد الحميد الثانى إلى جمع مهندسى الدولة العثمانية محاولين درأ هذا الخطر وذلك عبر إختراع السهام النارية الطائرة التى تعرف بالصاروخ وأقدم مخطوط به هذه التصميمات للصاروخ لضرب الطائرات يرجع للعصر العثمانى محفوظ بمتحف برلين بألمانيا ويكف على تحقيقه أحد الباحثين حالياً.
وهكذا يتضح أن العثمانيين لم يكونوا ضد الحضارة والعلم كما أدعى الغربيون وتلاميذتهم ومن تأثر أو صار على نهجهم.
هذه المقالات تعبر عن آراء أصحابها ولا دخل للمدونة بذلك

هناك تعليق واحد:

  1. السلام عليكم
    انا اسأل عمن معلومات عن العالم الألبانى الكوسوفى حسان سابستيور كما نشرتم بالمقال
    هل يوجد مصدر معين يتحدث عنه ؟
    برجاء مراسلتي مشكورا ان وجد

    ردحذف