الاثنين، 8 مارس 2010

مدارس دراسة التاريخ العثمانى

يعد دراسة التاريخ العثمانى خاصة والإسلامى عامة لهذه الدولة وفق النظريات المعاصرة من الإشكاليات، وذلك لطول عمر هذا التاريخ ولإختلاف وجهات النظر العلمية المختلفة حسب أمور دينية أو سياسية أو فكرية من هذا التاريخ، وذلك من الخطورة بمكان على التاريخ الإسلامى خلال هذه الحقبة، وذلك لكون الأفكار الشخصية أو أفكار الجماعات والمذاهب المختلفة مع التجاهل والجهل أحياناُ بقصد أو بغير قصد فى تصريف معنى المصدر التاريخى عن معناه ليدل بما لا يدع مجالا للشك أنه سوف ينتج لنا بعد فترة زمنية تاريخ غير التاريخ الإسلامى عامة والعثمانى خاصة لذا كان إختيار موضوع دراستنا فى هذا المقال "مدارس دراسة التاريخ العثمانى" و قد قسمنا الدراسة فى هذا الفصل إلى قسمين :
الأول : مدارس كتابة التاريخ العثمانى فى عهد الدولة العثمانية .
الثانى : المدارس المعاصرة فى كتابة التاريخ العثمانى .
أولاُ مدارس كتابة التاريخ العثمانى فى عهد الدولة ذاتها :
إنقسمت منهاج الدراسة فى كتابة التاريخ العثمانى فى عهد الدولة العثمانية إلى قسمين :
أ‌- كتابات المؤرخين المسلمين المعاصرين للدولة خاصة فى أوج قوتها والمؤيدين لحكمها.
ب‌- كتابات الرحالة والمؤرخين والمستشرقين الأوربيين والمهاجمين للدولة العثمانية.
ثانياُ مدارس كتابة التاريخ العثمانى الحديثة والمعاصرة :
وهى كتابات المؤرخين العرب والترك والكرد المتأثرين بالفكر القومى والصراعات من عهد السلطان عبد الحميد الثانى وحتى الآن.
أ‌- كتابات المؤرخين المسلمين المعاصرين للدولة العثمانية :
لقد إنقسمت هذه الكتابات فى بادئ الأمر إلى الكتابة بأسلوب الحوليات اليومية للدولة على نظام كتابات الحوليات الإسلامية الأولى التى تقوم بتقيم أحوال الدولة العثمانية فى اليوم والأسبوع والشهر والسنة منذ نشأت الدولة العثمانية عام 699هـ/1299م ومن أشهر المؤلفات فى هذا المضمار كتاب أبى السرور البكرى "المنح الرحمانية فى الدولة العثمانية" فى القرن ال11هـ/17م وهو يتحدث عن الدولة العثمانية منذ النشأة حتى أواخر القرن ال11هـ ، ولقد اتسمت كتابته بالجمع بين التدقيق فى الرواية المعاصر لها وبين النقل من الحوليات العثمانية القديمة التى تجمع أحياناُ بعض الأساطير ، مثل ذكره أن عثمان بن أرطغرل خان مؤسس الدولة العثمانية أنه من نسل الخليفة الراشد عثمان بن عفان (23- 35)هـ 1 ، بينما نجد أن البعض الآخر من الحواليات العثمانية التى تعرف باسم الحواليات
المخضرمة لكون مؤلفها عاصر نهاية عصر وبداية آخر مثل "ابن إياس" فى كتابه " بدائع الزهور ووقائع الدهور" ، والذى نعى فيه الدولة المملوكية الجراكسية ومآثرها (784- 923)هـ ، وعلى الرغم من ذلك تنوع قلمه بين ذكر إيجابيات وسلبيات الدولة العثمانية زمن الفتنة وحرب عصابات المماليك لها، ويفهم من دراسة ابن إياس لهذه الفترة أنها كانت فترة فتن فى بدايتها لذا حاول أن يذكر فيها الكلام المحقق الموثوق وأن يبتعد عن الإشاعات التى شاعات بين المصريين حينها واستخدم قبل رواية الإشاعة لفظة "أشيع" كثيراً ليدل على كثرة الإشاعات خلال هذه الفترة سواء من المماليك أو من جهة العثمانيين أو من جانب المصريين نتيجة الخوف من الحرب، وإن دل ذلك دل على دقته فى الرواية التاريخية، وهو المتوفى فى عام 928هـ2أى بعد دخول العثمانيين بخمس سنوات .
أما الجبرتى الذى عاصر الفترة قبل الحملة الفرنسية على مصر حتى أوائل حكم محمد على باشا فإنه يميل إلى ذكر ما سمعه وما عاصره وما أعترض عليه فى حواليات شبه يومية لذلك نقد ابن الخشاب3 المتعاون مع الفرنسيين واتهمه بالخيانة وابن الخشاب مؤلف سيرة الأمير مراد المحمدى الجورجى المملوكى، ونقد أفعال الفرنسيين مما ألحقوه بمصر من خراب ودمار، ونقد محمد على باشا لإلغائه كثير من أنظمة الدولة العثمانية، وإتجاهه للإحتكار، وعدم إيفائه بعهوده لعمر مكرم وعلماء الأزهر من إلغاء القوانين الفرنسية وتطبيق الشريعة الإسلامية .
ويوجد من بين الحواليات العثمانية ما اتجه إلى إتجاهات الرحالة مثل أوليا جلبى فى كتابه "سياحتنامه" تحقيق الدكتورة ماجدة مخلوف، والذى يعد من اروع الكتب التى تؤرخ لأحوال العمران والحياة الإجتماعية للبلاد التى زارها المؤلف ومنها مصر، وذلك لعلاجه فى البيمارستان القلاوونى بالقصبة العظمى من قاهرة المماليك، من داء العقم، فلما عاد إلى الأناضول أنجب ولد فلما بلغ معه السعى، أتى به ليزور مصر، مما يدل على ان الحياة العلمية صارت فى مصر على أكمل وجه، وينفى ما اذيع عن عداوة الدولة العثمانية للعلوم الدنيوية كما أدعى البعض .
ب‌- كتابات الرحالة والمستشرقين الأوربيين :
تميزت هذه الكتابات بالهجوم اللاذع على الدولة العثمانية ووصفها بأوصاف لاذعة، وجعلها إرهاب العالم الأوربى، وإن مدحها البعض من باب وضع السم فى العسل لكرههم لهذه الدولة التى هزمت آبائهم واجدادهم، ويقارنها البعض بالإمبراطوريتين الفرنسية والإنجليزية من حيث المساحة وطول عمر الدولة، ومن الملاحظ أن عداء الدولة العثمانية فى المناهج الأوربية خاصة كلما جنحنا إلى الشرق الأوربى ناحية اليونان و الصرب والبولنديين وغيرهم ، وذلك لكون هذه الدولة هى الخصم اللدود الذى حارب أوربا طيلة 700 عام، حتى إستطاع الأوربيين إسقاطها فى عام 1343هـ/1924م بالتعاون مع اليهود خاصة يهود الدونما1
وترجع الأسباب الرئيسية لكراهية الأوربيين للدولة العثمانية فى الآتى :
1- فتح العثمانيين لأوربا الشرقية حتى أصبحت أغلب أوربا الشرقية مسلمة طيلة أربعمائة عام ، فى نفس الوقت الذى كان يجهز فيه الأوربيون على مسلمى الأندلس .
2- محاولة العثمانيين الوصول للأندلس وتحريرها إستجابة للإستصراخات الأندلسية، وإنشائهم أساطيل البحار التى هددت سواحل أوربا أكثر من مرة .
3- دفاع العثمانيين عن بلاد المغرب العربى تونس والجزائر والمغرب الأقصى، حتى أنهم ساعدوا السعديين فى المغرب الأقصى فى موقعة وادى المخازن1 فى عام 986هـ والتى أبيد فيها الجيش البرتغالى برياً بالكامل وقتل فيها ملك البرتغال مما مكن شارل الخامس من ضم البرتغال إلى أسبانيا .
قيام المستشرقين بالتلاعب بالألفاظ المصدرية عند دراسة التاريخ العثمانى ولقد تأثر بعض المؤرخين والكتاب العرب بهذه المصطلحات ودونوها دون وعى فى أبحاثهم، فنجدهم يستبدلون كلمة "خلافة " بلفظة "إمبراطورية " لنفى صفة العدل عنها وإلصاقها بصفة الدكتاتورية ، تسميتهم للوجود العثمانى فى البلدان العربية بـ"الإحتلال" دون النظر إلى الفهم المتفازيقى للفكر فى التاريخ الإسلامى، وذلك لأن قاعدة التاريخ الإسلامى [ لا تسقط دولة إسلامية ، إلا وحلت أخرى محلها وتقوم بدورها فى إستكمال الوظيفة العقائدية للدولة السابقة] .
محاولة الأوربيين تأسيس مدارس تجزيئية للتاريخ العثمانى، وتمجيد حركات التمرد على الوحدة الإسلامية العامة، والتى كانت تأخذ الدعم الأوربى مثل الدعم الروسى لجوزيف أو على بك الكبير بعد إعلان إسلامه كما يقال، أثناء حركته الإنفصالية مع داهر العمر فى الشام، وذلك لتخفيف ضغط الجيوش العثمانية على الجيش القيصرى الروسى فى أثناء مهاجمة روسيا لبلاد القرم الإسلامى ومحاولة الإستيلاء عليها للوصول إلى المياه الدافئة على البحر الأسود .
وفى هذا الإتجاه يذكر الدكتور محمد عفيفى – أستاذ التاريخ العثمانى – بجامعة القاهرة ، (تعرض تاريخ الدولة العثمانية منذ البداية، وحتى النهاية لتداخل الأيديولوجيات المختلفة معه بحيث أصبح فى نهاية الأمر مجموعة تحيزات، ساهمت فيها إتجاهات فكرية متباينة، وتأتى فى أولى هذه الإتجاهات المدارس الإستشراقية، حيث نظرت هذه المدارس منذ البداية إلى التاريخ العثمانى نظرة معادية للعديد من الأسباب المرتبطة بعلاقة هذا التاريخ بالتاريخ الأوربى ) .
فقد كان فتح القسطنطينية عام 857هـ /1453م، ذو أثر نفسى بعيد المدى فى الغرب الأوربى، والذى حمل الدولة العثمانية الميراث التاريخى للصراع بين الغرب والشرق .
وزاد الأمر مرارة فى نفوس الأوربيين فتح العثمانيين لأثينا عاصمة الأسكندر المقدونى ومهد الحضارة الإغريقية، وسائر بلاد اليونان، ثم حصارهم لـ" فينا " عاصمة إمبراطورية الهايسبرج الرومانية الغربية المقدسة لدى الغربيين .
لذا حرصت المدارس الإستشراقية فى معالجتها للتاريخ العثمانى على تهميش هذا التاريخ ، ورسم صورة ذهنية منفرة له ، صورة " الإنحطاط ، والقسوة ، والعنف " ، قبل وصول الرجل الأبيض لهذه المنطقة لإلتهام ولايات الدولة العثمانية، واحدة بعد أخرى ، لذا حرصوا فى كل بلد مهدوا فيه للإستخراب والإحتلال على التهيئة الذهنية لهذه المجتمعات على تقبل الإحتلال والوصايا، وحاربوا لأجل ذلك فكرة كون الدولة العثمانية دولة الخلافة الإسلامية والدعوى إلى كون العثمانيين محتلين وذلك ليرسخ فى الأذهان أن الأوربيين أخذ البلاد العربية وغيرها من المحتل العثمانى بمعنى آخر أنه تم إستبدال إحتلال بآخر .
فالتاريخ الحديث لمصر يبدأ مع وصول الحملة الفرنسية إلى مصر عام 1212هـ/ 1798م، حملة التنوير كما يقال، والتاريخ السابق هو فترة مهملة ، فالتاريخ الوسيط ينتهى بسقوط دولة المماليك فى عام 923هـ/1517م، بينما التاريخ الحديث يبدأ مع الحملة الفرنسية على مصر، ويتم تصوير الفترة السابقة على الحملة الفرنسية على أنها فترة ظلام فكرى وعلمى.
وتاريخ الجزائر قبل الإحتلال الفرنسى أى الفترة العثمانية هو تاريخ القرصنة الوحشية ضد أوربا، بينما ترفض المدرسة التأريخية الجزائرية الوطنية الآن هذه المقولة، وترد عليها بأنها " تاريخ الجهاد البحرى" لتأكيد دور رؤساء البحر المسلمين فى مواجهة عربدة الأساطيل الأوربية منذ القرن الـ 10هـ/ 16م فى المياه الإسلامية فى بلاد المغرب العربى، ومحاولة الدولة العثمانية إنقاذ ما تبقى من مسلمى الأندلس بعد قرار التنصير الجبرى فى عام 1602م ثم قرار الإبادة والطرد ناحية الدول الأوربية والعالم الجديد على يد محاكم التفتيش 1609م، لكى يهلك مسلمى الأندلس مما أدى إلى تدخل الدولة العثمانية للدفاع عن الثغور الإسلامية فى المغرب، وإنقاذ أكثر من 70 ألف مسلم من مسلمى الأندلس ونقلهم إلى الجزائر1 ، لذا توجهت دراسات القنصليات الأجنبية إلى جمع كل ما يمكن الوصول إليه من تاريخ الحضارة الإسلامية، من مخطوطات وغيرها وتصدت لهذا الدور النمسا حتى أصبحت مكتبة "فينا" الآن تحوى مليونين مخطوط إسلامى فى مختلف العلوم الدينية والدنيوية وهى تعد الآن أكبر مكتبة مخطوطات إسلامية فى العالم، والمراكز البحثية الآثرية التى أنتشرت تدرس الآثار الإسلامية خاصة المدرسة الفرنسية فى مجال الآثار الإسلامية، وذلك لفهم طبيعة العقلية الإسلامية خاصة خلال العصر العثمانى وذلك لعدة أسباب :
1- جعل العمران الإسلامى تراث إنتهى، وأنه لا يصلح للعودة للحياة مرة أخرى، وذلك لكون العمران مادة مؤثرة فى النفس والجوهر كما أنه مادة عمرانية تحصينية للمدن ضد أى محتل، لكون المدينة الإسلامية تبنى على ثلاث طبقات (الساباط العلوى، والعمران على ظاهر الأرض، والعمران فى باطن الأرض) مما يصعب إختراقها .
2- كون العمران الإسلامى صياغة تطبيقية لواقع الشريعة الإسلامية فى حياة المسلم، وذلك لكون العمران موجه للنفس البشرية للحفاظ على العوراتوالأعراض، وفظهرت المشربيات والساباطات الخشبية بين أسطح المبانى للنساء و الباشورة (المدخل المنكسر).
3- القضاء على فكرة صلاحية التجديد فى العمران والفنون الإسلامية فمثلاُ يوجد فى الفنون والعمارة الإسلامية صبغة عامة، فكلما إنتقل الفرد من بلد إلى آخر شعر بأن هذا أثر إسلامى بينما عند التركيز يلاحظ أن لهذا الأثر صبغة خاصة به نابعة من بيئته التى يوجد بها، ولكن مع التوجيه الإسلامى للمعمار والفن بصياغة مدنية ، وذلك لكون الإسلام موجه للفنون والعمارة ، وليست الفنون والعمارة موضحة للدين كالفنون الدينية السابقة على الحضارة الإسلامية كالفنون البيزنطية والساسانية والفنون الفرعونية والعراقية القديمة قبل الإسلام والفنون الأوربية الحديثة بعد الإسلام، لذا فإن الفرد إذا ذهب إلى أى مسجد إسلامى فى أوربا أو أمريكا وجده المرأ يشبه مساجد الشرق، ولكن لم ينبع هذا التصميم من المزج بين الحضارة الأوربية الغربية مع الحضارة الإسلامية فتكون نموذج جديد يعبر عن دمج هذه الحضارات فى الحضارة الإسلامية بحكم التوجيه فتنبع من ميراث الشعوب الأوربية مع مراعاة قواعد الفن والمعمار الإسلامى، لذا وجدت هذه الهوة الحضارية فى الفكر بين الشرق والغرب منذ عام 1343هـ/1924م وحتى الآن، وما مشكلة مآذن سويسرا فى عام 2009م منا ببعيد.
ومما سبق يظهر لنا خطورة دراسة التاريخ العثمانى فى ضوء المدارس الإستشراقية، وذلك لأنها غيرت مفهوم الدولة العثمانية فعندما نقول الدولة العثمانية ، لا نقصد تركيا فقط بل نقصد العالم العربى مع تركيا والقوقاز والبلقان والقرم وجزر البحر المتوسط لكون المجتمع والمؤثرات والدولة واحدة خاصة فى ظل ربقة الدين الواحد .
ثانيا مدارس التاريخ العثمانى الحديثة والمعاصرة :
لاحظت الدول الأوربية أن التدمير المباشر للدولة العثمانية لا يجدى لأنها متحدة الكيان فصارت فى ثلاثة خطوات رئيسية :
1- تفجير الداخل العثمانى عبر الأقليات والنعرات القومية .
2- إعادة صياغة مناهج التعليم على أسس بعيدة عن فكر الدولة العثمانية الإسلامى لكى يناحر المجتمع العثمانى بعضه بعضا خاصة فى ظل عصر السلطان عبد الحميد الثانى
3- الحروب المتتالية من قبل الدول الأوربية على الدولة العثمانية بأسلوب الأدوار والتوزيع بينهم كى لا تستطيع الدولة العثمانية أن تتقدم فى مضمار الحضارة الإسلامية خاصة والإنسانية عامة .
لذا قام المستشرقون فى هذا المضمار بدراسة المحاولات الإنفصالية عن جسم الخلافة العثمانية فى مصر والشام زمن على بك الكبير وداهر العمر وفى لبنان زمن بشير المعينى الدرزى الأول والثانى، ثم فى تحالفات الأقليات المذهبية المختلفة المشتركة مع الدول الأوربية برابط الإعتقاد والمصالح، لذا إتجهت الدول الأوربية فى هذه المرحلة إلى تشجيع التربية الشعوبية والإنفصالية لأجيال الولايات العثمانية التى إحتلت من قبل القوى الغربية، فبدأ ذلك فى مصر منذ عهد محمد على باشا (1805-1848) م عبر البعثات فعاد رفاعة الطهطاوى ينادى بالدستور بدل الشريعة وبالوطنية بدل الوحدة الإسلامية فى كتابه تلخيص " الإبريز فى زيارة باريز" ، ثم بدأت الفكرة تظهر فى الشام على يد جورجى زيدان وأدبياته، وبطرس البستانى بلبنان، وعبد الرحمن الكواكبى حفيد إسماعيل الصفوى، والذى استخدم لأول مرة فى تاريخ المصادر الإسلامية كلمة "إستبداد" بمعنى "دكتاتور" على الرغم من كون هذه الكلمة تعنى فى المصادر "المسيطر الحازم القائم بتنظيم أمور البلاد" ، وليس الحكم المطلق فى السلطة دون الرجوع لأهل الحل والعقد، وألف فى ذلك كتابه الشهير "طبائع الإستبداد" ثم تعجب لأنه لم يقيم فى الشام تحت ضغط السلطان عبدالحميد الثانى، وذلك لكون السلطان كان ينادى بالجامعة الإسلامية لتوحيد كلمة الأمة فى وجه الأطماع الأوربية تحت راية الدولة العثمانية 1 ، فبدلا من الإصلاح مع السلطان نادى بالخلافة والقومية العربية فى وقت زحف الإحتلال الغربى على الشرق، وبذلك تخفف الضغط عن المنادين بالقومية العربية من غير الطوائف الإسلامية، وساعد القومية العربية على الظهور حركة التتريك التى ظهرت فى الدولة العثمانية بعد خلع السلطان عبدالحميد الثانى على يد الإتحاد والترقى من يهود الدونما منذ عام 1909م ضد العرب، وفى خلال هذه الفترة ظهرة فكرة فصل الدين عن الدولة والتى ظهرت على البارات "السكة" العثمانية فى أواخر عهدها وكتبت عليها شعارات الثورة الفرنسية (حريت ، مساوات ، عدالت)، فكان من آثار ذلك الثورة العربية الكبرى للمناداة بالشريف حسين بن على خليفة للمسلمين بدلا من السلطان العثمانى مقابل وعد شفوى من الإنجليز وبتخطيط من الجاسوس الإنجليزى لورانس العرب الملقب لدى الأوربيين "بملك العرب الغير متوج" ، فالناظر إلى مؤرخى العرب خلال هذه الفترة يجدهم يتحاملون على الدولة العثمانية التى لم يكن لها من الأمر شئ فى ظل قيادة يهود الدونمة لها، بينما نجد أتباع يهود الدونمة من المؤرخين العالمنيين يوصفون الدولة العثمانية بالتخلف والرجعية، أضف إلى هؤلاء كل المتأثرين بالفكر القومى والتبعية الفكرية للحضارة المادية الأوربية ، لذلك نجدهم فى كتابتهم يسندون كل ما هو ماضى مضئ فى تاريخ بلدانهم إلى حقبة الإحتلال الغربى، وكل ما هو سيئ إلى فترة الخلافة العثمانية لذا نجدهم مثلا يقولون "الحملة الفرنسية على مصر والإحتلال العثمانى" .
ثم ظهرت مدرسة التأريخ الماركسية ذات الصراع الطبقى والتى نادت بتفسير التاريخ الإسلامى على أساس مادى وفق نظرية الصراع والبقاء للأقوى 1.
وذلك رداُ على مدرسة التأريخ الأوربية الرأس مالية البرجوازية الطبقية فى تفسير التاريخ الإسلامى فإستخدموا مصطلحات لها مدلولات ومعانى مختلفة فى المصادر والعصور الإسلامية، على أنها ذات معنى واحد، مثل كلمة "إقطاع" كمرادف للكلمة الإنجليزية "Feudalism" وهذه الكلمة لها معنى مختلف فى المصادر والحضارة الإسلامية عن الأوربية فهى تعنى تحديد الأرض للبناء عليها، وتعنى فى العصر الأيوبى(567-647)هـ، والمملوكى البحرى (648 – 784)هـ أن يكون كل أمير مسئول أمام الدولة عن إصلاح محافظة ما فى إنتاج معين يعين الناس والجيش وقت السلم والحرب، وتعنى فى العصر العثمانى المتأخر الملكيات الزراعية الكبرى وما يترتب عليها من فكرة العزب والوصايا، والتى كان نتيجة إلغائها أن تحولت مصر من دولة مصدرة للقطن والقمح إلى دولة مستوردة لهما مثلاُ ، بينما الإقطاع الأوربى يعنى أن الأمير الأوربى يملك الأرض والناس ولا يعطى لهم سوى الكفاف فهم عبيد له .
ثم نضيف إلى كل ما سبق بعض المؤرخين السلفيين أو المتأثرين بالمدرسة السلفية فى التاريخ الذين يهاجمون الدولة العثمانية لحربها للدعوة السلفية نيابة عن إنجلترا وفرنسا بيد محمد على باشا وبالتعاون مع الخبراء الفرنسيين العسكريين، إضافة إلى سيطرة البدع والخرافات على الكثيرمن القوى الإسلامية فى الدولة العثمانية آواخر هذا العهد مما دفع الكثيرين لمهاجمته1
ومما سبق يتبين لنا أن الإختيار المنهجى الأمثل لدراسة التاريخ العثمانى هو دراسته وفق المدرسة الموضوعية للتاريخ مثبتين إيجابيات الدولة وسلبياتها دون التحيز إلا للحقيقة التاريخية العلمية، وفق معطيات البحث التاريخى المعتمدة، وتفسير العصر حسب فترته الزمنية دون المقارنة بالفترة المعاصرة إلا فى ضوء الإستفادة والتجربة، وذلك لكون التاريخ حلقة وصل بين الأجداد والآباء والأبناء والأحفاد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق